يقول مؤلف كتاب الحلال والحرام في الإسلام: عندما نشرت كتابي هذا ، قال لي أحدهم بسخرية وغضب: لمَ لم تسمه الحلال ، والحلال في الإسلام. فقلت له : ولم أنت لا تؤلف كتاباً وتسميه الحرام والحرام في الإسلام !!.
ولمن لم يفهم كلام الرجل فهو يقصد: أنك حللت ما حرم الله، حتى لم يعد ثمة حرام!! ، لأنه ينكر على المؤلف بعض اختياراته الفقهية ، واجتهاده الذي بناه على ما فهمه من الأدلة.
إن ثقافة التحريم سادت في الخطاب الديني المتأخر، حتى أصبح الحرام كلمة مرادفة للفتوى عند العوام ، وأن بعضهم ليستغرب إذا ما استفتى يوماً وكانت الإجابة ( حلال ) .
إن دستور الحلال والحرام في الإسلام يتمثل في آيتين في كتاب الله.
(قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والإثم ، والبغي بغير الحق ، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ، وأن تقولو على الله ما لا تعلمون ).
فعموم الطيبات حلال ، وعموم الفواحش حرام ، هذا هو الأصل.
ومن المعلوم أن الطيبات هي: عامة ما نفعله في حياتنا فلا يؤنبنا عليه الضمير ولا نكره أن يطلع عليه الناس..
ومن انتكاسة الفطرة أن يجد الإنسان في نفسه شيئاً مما حلله الله وكأنه يستأنف الأمر على الله كما فعل ذلك رجال عند النبي صلى الله عليه وسلم فحرموا على أنفسهم الطيبات من الزواج والنوم و الأكل فكان أن قال لهم نبي الرحمة: ( من رغب عن سنتي فليس مني).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ( تحريم الحلال لا ينقص درجة في الإثم من تحليل الحرام وكثير من ذوي الغيرة يميلون إلى تحريم الحلال أكثر من تحليل الحرام وكلاهما خطأ ومع ذلك فإن تحليل الحرام فيما الأصل فيه الحل ( المآكل والمشارب واللباس واللهو..) أهون من تحريم الحلال ، لأن تحليل الحرام إذا لم يتبين تحريمه فهو مبني على الأصل وهو الحل ورحمة الله سبقت غضبه فلا يمكن أن نحرم إلا ما تبين تحريمه ، ولأنه أضيق وأشد ، والأصل أن تبقى الأمور على السعة حتى يتبين التحريم ) انتهى كلامه .
ومن المتقرر عند العلماء أن مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “… إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين: تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه “.
وهذا سفيان الثوري رحمه الله يحلل واقعنا اليوم الذي أصبح ساحة للفتاوى المتشددة حتى ممن لا يحسن الفاتحة فيقول : (إنما الفقه الرخصة من ثقة ، وأما التشدد فيحسنه كل أحد). فكثرتهم وتشددهم لأنهم وجدوا ما يحسنوه !!
إن التشدد في الدين أمر منبوذ فقد تشدد اليهود فشدد الله عليهم وما شاد أحد الدين إلا غلبه..
ذكر الغزالي في كتابه الجميل والذي أتمنى أن يقرأه كل داعية بل كل مسلم ( هموم داعية ) هذه القصة المعبرة يقول : “كنا ضيوفاً عند أحد الناس فسكب قطرات من ماء الكولونيا فأخذ أحد الدعاة يصرخ حرام نجس! ، فقلت له : دعني ورأيي إن مالكاً رحمه الله يرى ريق الكلب وعرقه طاهرين ، فلنتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه “…
الموضوع طويل ومتشابك ويحتاج لأكثر من مقال لتفنيد الآراء المتشددة وثقافة التحريم المعشعشة ، لكني أكتفي بما كتبت ونقلت والله من وراء القصد..
مروان عبدالعليم الشيخ
مقالات سابقة للكاتب