وقائع من الواقع (٢)

أرسل أحدهم رسالة يريدها نكتة تدخل السرور ! قال فيها (خلاص غسلت يدي من أهلي ! قالوا له ليش؟ قال: مسوين حفلة لولد أخوي لأنه ختم القرآن ، ومشغلين أغاني).
عندما قرأتها ذكرتني يوم أن كنت معلما للغة العربية و طلبت من الطلاب (نكتا) ثم جعلت منها مدخلا لقراءة حياة الناس من أمثالهم وحكمهم وطرائفهم .. كان ذلك في إحدى حصص النصوص الأدبية آنذاك، ودرس عنوانه (الأمثال والحكم) وقد تفطن الطلاب لذلك وفهموا أنما هي وصف أوتعبير لفكرٍ ما ، يحدد باستمرار لأصحابه أي المسار يختارون لحياتهم ، يختارون فقط ، وإلا فهي سائرة ولو كانوا على فرشهم نياما ، (فالنكتة) والحكمة والشعر وأغلب مايكون من الكلام هو من أصدق الدلائل على حياة شعب ، أو أهل بلد ما . دفعني لهذا القول ماحملته هذه النكتة التي تروي في مضمونها قصة وتحكي فكرا ، وواضح أن هؤلاء لم يكن يهمهم ما أنجزه ابنهم من حفظه للقرآن كاملا ، بقدر ماوجدوه مسببا للاحتفال ! فاحتفلوا ليحتفلوا فقط !
فكان الحفل غنائيا في أنكر مايكون من الظرف ، فالقرآن الذي يحتفلون بحفظه ،فيه الدليل على تحريم استماع الأغاني التي احتفلوا بها !
وكثرة الاحتفال في السنوات العشر الأخيرة تقريبا وتعدد مناسباته أمر ملاحظ ، ولقد دعيت مرة لحفل سماه أهله ( حفل الختم) حيث حصل معرف القبيلة على ختم توثيق رسمي ، وكان حفلا مئويا ، الحضور بالمئات والخرفان التي ذبحت مائة ! (والمصدر من عندهم)
وتسمعون وربما تحضرون حفلات تخرج ، من أولى مراحل التعليم ، بل حتى التخرج من الروضة احتفل به، ويحتفلون بالترقية ، وبشراء سيارة بنظام الإيجار المنتهي بالتمليك ، وبالخطوبة كذلك يحتفل أهل الخاطب حفلا وأهل المخطوبة حفلا في فهم للخطوبة بغير حقيقتها ، بل إنه نشر أن امرأة احتفلت بطلاقها من زوجها وفراق بيتها وأولادها!
واحتفل ذات مرة بتقاعد نظامي لموظف فكان من فقرات الحفل ما تجاوز به المحتفلون المنع الشرعي ووقع من الرجال ماهو من شيم النساء ، رقص وغناء ، وفرح لا تعلم كيف توجه سببه؟ فكأنهم مسرورون لأنه فارقهم ولن يروه معهم أخرى.
– فمابين غرابة السبب وضعفه وما يتبع ذلك من إسراف وهدر واقتراف محاذير وتحمل ديون ، يتبين لكل ذي بصيرة ضرورة الارتقاء بثقافة الاحتفال ، كيف نحتفل ؟ وبماذا نحتفل ؟
– ولامانع أن نحتفل لكن نتجنب السرف والمخيلة ونكون وسطا بين الإقتار والإسراف ، ولسنا نختلق المناسبات لنحتفل أو لكل مناسبة نحتفل.

(لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم والله لايحب كل مختال فخور).

أحمد بن مهنا الصحفي

مقالات سابقة للكاتب

14 تعليق على “وقائع من الواقع (٢)

أبوعاصم

شكرا لأستاذنا الكريم على سطوره الجميلة والتي شخصت شيئاً من واقعنا اليومي .
أما الاحتفال بالمناسبات الصغيرة ناهيك عن الكبيرة وإن اظهرته أخيرا وسائل التواصل بشكل كبير وساهمت في انتشاره إلا أنني أراه معززا للعلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية واشاعة للفرح في المجتمع . أما وجود بعض المحاذير الشرعية فهذا أمر غير مقبول لكن لانملك حيال ذلك إلا التذكير والنصح بالكلمة الطيبة . أم عن غرائب الاحتفالات فإذا كانت في دائرة المباح فلا بأس . أما كثرة الاحتفالات خاصة في مناسبات الزواج : تعارف خطوبة ملكة زواج فياليت كاتبنا الكريم يخصص لها مقال قادم .
ختاما أستاذ أحمد نريدك أن تكون كاتبا محترفا تطل علينا اسبوعيا لا هاويا تطل مع كل اطلالة هلال !

يحى ابو ليلى

حقيقة ادهشني هذا المقال بما فيه من عظات مقال من رجل عاصر الحياة بفكر متفتح حصيف وكيف لا وهو الاستاذ الذي خدم في سلك التعليم معظم سنين عمره المبارم وسرد في هذا المقال من واقع اليم فعلا تصوروا ان يحتفل القوم بختم ابنهم للقرآن الكريم بغناء سبحان الله والله شيء عجيب هذا المقال بجب ان لا نمر عليه مرور الكرام ففيه دروس يجب ان نتعلم منها الكثير فالناس امرهم عجيب يحتفلون بكل شيء حتى باحزانهم
فيا كاتبنا المقر حقا نحن بحاجة لمثل هذه المقالات التي ينتفع بها المجتمع لعل شيئا من السلبيات يتغير ونكون اكثر وعيا ومهما قلت فإنما انا تلميذ في مدرستكم استاذنا القدير احمد فزدنا مما آتاك الله وزادك من علم وحكمة ودراية فشكرا لك مرارا وتكرارا والشكر موصول لصحيفة غران الرائده التي تطالعنا بكل ما هو مفيد .

يوسف الحربي

جميل أن نقرأ مانعيشه في حياتنا حيث أننا عندما نقرأه نجد أننا نتنبه لما نفعله ربما بدون تفكر مستمرين في دوامة الحياة
سلمت يا أستاذي القدير

بسمة أمل

ماشاء الله
حروفا خطت من ذهب بفكر رائد
وطرحا مبدع تحمل في طياتها
جواهر ثمينه تلامس الواقع
بورك الفكر استاذنا القدير
وشكرا لصحيفة غران المميزة تطرح
كل ما هو مفيد

سمو الذات .

مقال ثمينه معانيه، وشيء مستنكر ان القرآن والغناء لايجتمعان في قلب المؤمن وهذا اصل ثابت معروف.المفاهيم اصبحت غريبه في اتجاهات بعيده والجهل عدو صاحبه، الاحتفالات أصبحت موجعه لأصحاب الدخل المحدود !!! الاقتصاد وعدم الاسراف والتوازن مطلب أساسي لكل أسره. بارك الله فيك مقال جميل
ولابد من يتم سن نظام بين الأسر لعدم المباهاه والمبالغه اللامعقوله في الاحتفالات أثناء المناسبات. أتمنى أن يكون موضوعك القادم تكمله لما بدأت فيه و وضع رؤيه شامله عن الذي يحصل وجزاك الله خير

أ. نويفعة الصحفي

قرات المقال حرف حرف ..وأدهشني ما قرأت ..عنوان المقال تجسد في حروفه معنى ومضمون …. لله درك من كاتب ..و كم هو جميل أن نكتب عن واقعنا سلبا أو إيجابا ، فما كان جيد نعززه ، وما كان سيء نعظ ونذكر بالحسنى ..وهذه المشاهد التي أشار إليها كاتبنا المتفرد بأسلوبه وطرحه ، يندى لها الجبين إذا أتت على هذه الشاكلة فهي تستلزم التوعية والتذكير بخطورة مثل هذه الفعاليات والتي لا ترضي الله ولا رسوله . لكن ما يكون فيها من البساطة و التخفيف بشكل مبسط وسبب من أسباب إجتماع الأحبة فأنا أجد فيها توثيق عرى المحبة والتواصل بين الأحبة واشاعة روح الفرح والبهجة وهي محببة للنفس .بشرط أن تكون بعيدة عن سمة الإسراف و التبذير وكل أمر غير مشروع .. حفظ الله علينا ديننا ..
شكرا لكم أستاذنا وكاتبنا القدير أحمد بن مهنا وياليت ما ذكره الأستاذ أبو عاصم يصبح حقيقة ، ونراك أسبوعيا تطل علينا بجميل ما تكتبه ..نكرر لكم الشكر أستاذنا ..والشكر موصول لصحيفة غران الإلكترونية على جميل ما تطلعنا عليه ..

وهج أحمد

مدخل خفيف الدم إلى مقال ثقيل الوزن ،توجه الكاتب بنا من النكتة إلى الفكرة كما فعل مع طلابه تعليما وتوجيها لهم ،لكن توسع نطاق التوجيه من صف إلى مجتمع ؛لأن كاتبنا أدرك أن مايملكه من فكر وعلم وفصاحة وحصافة وقد صقلتها الأيام وزادتها خبرة تحمله مسؤولية-وهو المربي الموجه والإمام الخطيب -توعية المجتمع لأخطاء يقع فيها وقد لايشعر الواقعون فيها فداحة الأخطاء إلا اذا واجهناهم بها …وهنا يأتي دور المعلم المبدع (كاتبنا)كيف يوجه ويقنع ويغرس قيما في مجتمع أعياه الصمت وتراكمت في جنباته كثير من الملفات المؤجلة لأسباب عدة تنتظر وعيا وفكرا بأسلوب مقنع ولغة تصل الفكر قبل العين والأذن .. وفق الله كاتبنا ومن هم مثله وعيا وفصاحة …

متعب الصعيدي

بمثل هذا الأسلوب وبمثل هذا الكلام فلتسود الصفحات ولتدبج المقالات
مقال يستحق أن يدرس في دورات تعليم كتابة المقال
مبدع والله ياأخ أحمد إلى درجة الإبهار
استمتعت جداً أثناء قراءتي لمقالك
مفيد ولذيذ في نفس الوقت
هناك كثيز من المقالات من يكون مفيد ولكنها القليل منها يكون لذيذ أيضاً
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
شكراً لك من الأعماق وبكل الشوق ننتظر المقال القادم

رشاقة قلم

مقال واقعي يحكي واقع ونعم بالكاتب المربي الذي استفادت منه الاجيال فكثرة النعم تهوي بالنفوس ان لم تؤدي حقها من الشكر ولعل ان يكون هذا المقال تنبيها لسلبيات لتصحح و تثبيتا لايجابيات لتشكر

ابراهيم مهنا

نفع الله بك
نحتاج مثل هذا الفكر والفهم لنصحح الواقع
فشكرا أخي أبا رائد

أ.م.أبن عبدالله

واقع غير افتراضي نعيشه بالفعل، استطاع كاتبنا القدير ان يصيغه باسلوب راقي بعيداً عن التجريح والتلميح وقريب للتصريح …
جُل واقعنا وللأسف متناقض وغير سوي، يتضمن الشيء ونقيضه، السطحية وعدم العقلانية في التصرفات والأفعال تكاد تراها من جميع شرائح المجتمع متعلمة وغير متعلمة متدينة وغير متدينة، وهذا مصير كل مجتمع اذا سقطت القيم وبهتت الخطوط الحمراء وتساوى الدنيء بالشريف من القول والفعل …
نحتفل لمجرد الإحتفال حتى ولو ان المحتفى به غير موجود نحتفل، نحتفل والبعض لا يعلم سبب الاحتفال!!! واعتقد السبب الرئيس ضياع القوامة وإعطاء الأمر إلى غير اهله!!!!.
نعم كما قال الكاتب يجب (الارتقاء بثقافة الاحتفال ، كيف نحتفل ؟ وبماذا نحتفل ؟) ومتى نحتفل؟.

ياحبذا لو تكون كتاباتنا في مثل هذا الفهم والبصيرة بعيدةً عن التطبيل والسطحية، ليكون القلم كمشرط جراح بيد الكاتب يُستأصل الخبيث ويُعزز النبيل بكل تجرد وحيادية وفقاً للمباديء والقيم السامية،وإلا سوف ياتي يوم نغسل ايدينا من المجتمع ككل،
اللهم علّمنا اذا جهلنا ولا تجعل لسفيهٍ يداً علينا.

أنت رائد يا أبا رائد ?

أحمد محمد أبن عبدالله

وريف الماضي

اعجبني المقال جدا ..
فعلا اصبحت الحفلات كثيرة جدا وبمناسبات غريبة
لكني اعتقد ان الاحتفال الحقيقي هو ذاك الذي يكون نابعا من القلب ، الذي يرسم الابتسامة الحقيقية
وايضا الاهم من كثرة الاحتفالات هل هي نحن سعداء حقا حتى نحتفل، ام هي مجرد بروتوكولات صورية فقط.

أحمد بن مهنا

أحييكم جميعا ، وأجل ما أضأتم به مقالتي من نور أفكاركم ، ويكفيني سرورا أني استمطرت هذا الفكر بكتابتي ، ما علقتم به أجمل وأفضل مما كتبته ، افتخر به وأزداد معرفة ، هكذا الإثراء الفكري فشكرا لكم أيها الفضلاء والفضليات :
الموقر أبو عاصم ، الكاتب المعروف أبو ليلى، الأستاذ العزيز يوسف ، بسمة أمل ، سمو الذات ، القديرة أ. نويفعة ، صاحبة التعليق الأدبي الرائع وهج أحمد، الأستاذ متعب الصعيدي، رشاقة قلم ، أخي إبراهيم ، المفضال أحمد بن محمد ، الغالية وريف الماضي .. شكرا شكرا !

بنت أبو مريم

(اللهم أرنا الحق حقا ورزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا ورزقنا إجتنابه ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل)
خير الكلام ماقل ودل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *