لا تعيبوا زمانكم!

كنا في قديم زماننا يخاف الجار على الجار ويلهف لرؤياه ولا يغيب عنه خبر من أخباره، واليوم أصبحنا لا يعلم الجار عن جاره شيئا ولا حتى اسمه، بعدما كان الجار أخ لم تلده أم، أصبح غريبًا مهما حاول التقرب منا، وإذا تقرب منا لاحت بعقولنا أسئلة جمة منها على سبيل المثال لا الحصر: ماذا يريد؟ لماذا ألقى علينا السلام؟ وهذه أسئلة حاصر الشيطان وأعوانه بها عقولنا حتى غاب عنها أنها سنة من سنن الحبيب صلى الله عليه وسلم، ووصية من وصاياه، فكيف منا تمكن؟ وكيف نعيب زماننا والعيب فينا؟

وكنا في أيام خلت الأخ قطعة من الجسد لا تنفصل عنه، إذا اشتكى أخ من وجعه لم ينم البيت كله ولا حتى جيرانه، واليوم يشتكي الأخ أخاه عند القضاة، وكأنه لم يجمعه بأخيه في يوم من الأيام حبل سري واحد ولا بطن واحدة، ولا دم واحد ولا أب واحد ولا أم واحدة، فأصبح الأخ بحقده يحقد على أخيه كالجمل الحقود لا ينسى حقده، فكيف غاب عنا أن الأخ قطعة من الجسد والروح؟ وكيف نعيب زماننا والعيب فينا؟

وفي زماننا هذا تضرب الأم! أو ليست الأم الجنة؟ وبرها الجنة؟ فكيف تضرب وتنهر من كانت الجنة تحت أقدامها؟ أم من غشيم الجهل هذا الفعل أم من صوابه؟ وإذا قلنا من غشيم الجهل فكيف بعضنا يفعله؟ وإذا كان من صوابه عند بعضنا فما عيب زماننا إلا نحن، تجاهل البعض منا في زماننا هذا وصية رب العالمين سبحانه جل في علاه الذي وصاه بالوالدين حسنًا حتى لو أشركا به، فكيف بالأم والأب المسلمين الموحدين له سبحانه جل في علاه، وهذا الأمر من مصائبنا وما كسبت أنفسنا ومال لزماننا عيب سوانا، وما الدهر إلا وقت لا يجري منه على أهله طبع ولا جهل، بل أهله هم من يجملونه فدعوا عنكم إخوتي الجرح في الزمان والتفتوا لجرحكم إياه.

وكنا يرى الصغير منا الحنان والنصح من كل من كان يكبره، واليوم يرى من التحرش أشده، فيقضي المتحرش الأرعن على برائته ويعيش طفولته متأزما وتنمو معه أزمته، فلا هي التي فارقته ولا هو الذي فارقها، وليس له ذنب سوى أنه طفل، فكيف نعيب زماننا والعيب فينا؟

وكنا يربى الطفل منا على الرجولة والشدة، واليوم يربى على الأجهزة الذكية ولا يعرف يمينه من شماله، وإن خرج عن منزله شبرًا ضاع دهرا، ودخل في خضم ما يسمى بالشارع، الذي يختلط بهذا وبذاك، ولا يدري طيب هذا من شر ذاك، فكيف ذلك؟ كيف ذلك؟ يا شقاء النفس حين تعيب زمانها والعيب فيها، فارحموا إخوتي وأخواتي أنفسكم، وعدّوا عليها عيوبها ودعوا زمانكم وشأنه فما لزمانكم عيب سواكم.

وكان في زمان قبل زماننا من أراد الزواج وقف معه كل من حوله من أهل وجيران يساعدونه، وبأقل التكاليف يبني أسرته، وما كان ذلك من عبقرية الزمان القديم بل كان من عبقرية فطرة أهله، وعلمهم أن الزواج صلة عظيمة وبه تتكاثر الأمم وتقوى، واليوم بعضنا يراه كمالة من ضمن الكماليات، والبعض الآخر يراه مناسبة لاستعراض العضلات المالية، والبعض يراه مصاريف لا طائل منها، والبعض يراه حرب الحماوات الضروس، فما غير الزمان شكله ولا روعته ولكن بعضنا اليوم غير ملامحه، فتأكدوا أحبتي أن العيب ليس بالزمان بل العيب فينا.

وكان المعلم له جل القدر ومنتهى التقدير فما ينام معلم وقد ضرب بصباحه من أحد طلابه بل ينام وهو لطلابه قد ضرب وأدب وقوم، فكان أهل زمان ليس ببعيد عن زماننا بل منهم من هو حي بيننا اليوم فاسألوه كم كان للمعلم من التقدير والحب والاحترام؟ سيخبركم بما يفيض عن احتمالكم وتندهش له جباهكم، وكان المعلم معلمًا بما تحمله الكلمة من معنى، وليس كبعض المعلمين اليوم مجرد شخص حمل شهادة لا يعلم مدى أهمية وظيفته ولا يعلم منها سوى ما يدخل جيبه منها، وكان الطلاب غير الطلاب، فكان الطالب للمعلم حافظًا قدره، ولو رآه مارًا بالشارع لسلك شارعًا آخر خوفًا وتقديرًا له، واليوم بعض الطلاب لا يرى المعلم شيئًا ولا يحفظ له قدره، ولا يعلم أنه يعطيه جميلا بين يديه لو عاش دهرًا ليس بالقصير لم يوفيه حقه، فما العيب بالزمان الذي نحن فيه بل العيب فينا.

ولم ينتهي حديثي بعد ولا أظنه سينتهي، لأن الزمان سائر بمن حمل ولا يتوقف، والثانية بزمان أول كالثانية بالزمان الأخير، ولكن الفرق بمن عاش هذه الثانية، هل عاشها كما ينبغي عليه أم عاشها ينكر عليها صنيعها الذي ليس من صنيعها بل من صنيع نفسه،وكسب يده، ولكن هي دعوة مني إلي أولا ثم إليكم إخوتي وأخواتي أن نتوقف عن لوم زماننا ونلوم أنفسنا على عيوبها، فذلك للنفس أكسب وللكسب أجدى، وللعقل أولى وللراحة أقرب.

وكل ما ذكرت لا يعني أن ليس هناك في أهل زماننا الطيب والكريم والشهم والنبيل والأخ والجار والصديق الحق، فلكل قاعدة شواذ فالخير مكنون أنفسنا وموجود في دواخلنا، ولكن لابد من كلمات كهذه تشعله وتحفزه ليخرج من أنفسنا وأنفس البعض منا، كما خرج من أنفس كثير من أهل زماننا حفظهم الله فهم الدر النفيس، فنحن الخير وأهل الخير ومن الخير وإلى الخير بإذن الله تعالى.

فاعذروا قسوة كلماتي هذه وإن كانت أقسى من أفعال بعض أهل زماننا، وهذا من الظن أبعده فلا تعيبوا زمانكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إبراهيم سيدي  ‫⁦‪@abr14ab‬⁩ ‬

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “لا تعيبوا زمانكم!

وضاح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استاذنا الفاضل من الطبيعي ان تمر العلاقات بين الافراد بحالات شد وجذب وتقارب وتباعد ذوات ايجابيه واخرى سلبيه ولتبقي تلك العلاقات في اطارها الصحيح لابد ان تكون مبنيه على اسس من المحبه والاحترام وتقبل الاخر
وعدم تتبع الزلات والبحث عن المزايا وان لا تكون القلوب مستودع لحفظ العداوات
اما بخصوص علاقة الابن او الابنه بوالديها فهي خط احمر مهما كانت المبررات لا عذر لمن تجاوزها فلقد امرنا الله بان لا نتئفف منهما ونسال الله ان يرزقنا برهم ورضاهم
استاذنا لك خالص الود والاحترام والتقدير على هذا المقال الرائع

إبراهيم سيدي

الشكر الجزيل لك أستاذ وضاح فتعليقك يحمل الكثير من الثقافة والرقي في الفكر وكم يشرفني أن مثلك يقرأ مقالاتي جزاك الله خير الجزاء.

أ. نويفعة الصحفي

( فالخير مكنون أنفسنا وموجود في دواخلنا، ولكن لابد من كلمات كهذه تشعله وتحفزه ليخرج من أنفسنا وأنفس البعض منا، كما خرج من أنفس كثير من أهل زماننا حفظهم الله فهم الدر النفيس،)
نعم الخير باق في أمة محمد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..
إلا أن ما كتبته أ. إبراهيم صدقت فيه ، فهو واقع يعيشه المجتمع و يحتاج منا جميعا وقفة وقلم مثل قلمك ، لكي نشعل في النفوس الحراك لمثل هذه المقومات ، و حتى لا نفقدها أكثر مما هو حاصل ..
وفقك الله كاتبنا المبدع ..

إبراهيم سيدي

الشكر الجزيل لكي أستاذة نويفعة على اقتطاعك جزء من وقتك الثمين لقراءة مقالتي والتعليق عليها،وحقا أتمنى أن تدخل مقالتي هذه لقلب وعقل كل من يقرأها وتحفزه على فعل الخير وتشحذ همته نحو الخير.. ولو نجحت كلماتي بشحذ همة شخص واحد ممن قرأها لكفاني ذلك..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *