الطابور

ياصديقي.. كتب علينا توأمة الطابور والالتصاق به للأبد، فقبل أن نلفظ من بطون أمهاتنا على قارعة الطريق ونحن والطابور صنوان، فارتباطنا بمعاناته نشأت منذ بدء الخليقة وعلاقتنا به وطدت صلتها منذ الأزل، بحيث يصعب علينا عصيانه أو التمرد عليهز

وإن انتابت مشاعرنا مظاهر التبرم والضجر أو غشيت جوارحنا علامات الاستياء والملل فسرعان ما نذل ونخضع انقيادًا وإذعانا له، وإلا تبددت جميع أحلامنا أن نحن كابرنا، وضاعت مساعينا في العراك سدى، وانتقالنا منه إلى طابور آخر على أمل أن نحظى بعطايا أجزل أو نظفر بمعاملة أفضل دون أن ندرك أنا قد اقترفنا خطأ جسيمًا، لن يسعفنا فيه حظنا العاثر للعودة إلى سابق عهدنا، فيغدوا تجشمنا عناء الانتظار هدرًا وهباءً منثورًا، ذلك لئن محاولتنا العبث به أفقدتنا موقعنا الأول، والذي ربما كان الأفضل قبل التغير.

يا صديقي جميع الطوابير سواء وإن اختلفت مسمياتها أو تغيرت ملامحها، سيظل الطابور هو الطابور ولن يراوح مكانه مادمت فيه، واعلم أن نجم المعاناة فيه ابتدأ قبل أن نستعذب لذيذ الماء أو تستنشق عليل الهواء، وساعة اصطفاف أمهاتنا مكابدة البحث عن سرير الوضع هي أصعب لحظاته، ودخولهن حبلى بنا إلى حجرات الولادة كان أعسره، وإلى أن تضع حرب الطمث أوزارها ونحن فيه، فإذا ما أقبلت لحظة شرف الوضع كنا الطابور نحن ونحن الطابور.

يا صديقي تلك هي دوامة الحياة فلا تبتئس، طابور يتبعه طابور، وطابور يمتطي طابور، وطابور تتوسده الأحزان ودموع الأتراح ، وطابور تعلوه بهجة التهاني والأفراح، وآخر مثقل بأصناف الأسى والجراح، وطابور تطفو عليه مظاهر السلبية من عنجهية وسلطوية وترسيخ للأنانية، تتطلاطم فيه أمواج التميز العرقي وعفن التفرقة العنصرية، وطابور صغير هناك لكنه رمز للصفاء، للعطاء، للوفاء، للإيجابية.

ياصديقي لكل منا طابور، قدرنا وشأننا فيه بحسب قدرتنا المهنية ووفق مكانتنا الاجتماعية وبقدر ما نمتلك من علاقات ونفوذ ، وربح وفوز ، وضوابط الاصطفاف فيه يمكن الاحتيال عليها لكن لمن يملك مفاتيح الفهلوية.

ياصديقي لا تظنن أبدًا بأن الطابور يومًا سوف ينعدم عنا، فهيهات أن تزول منا أوجاعه أو تنفك عنا معاناته، مابقي الزمان ولزم المكان، فاصرف عنك أضغاث الأحلام تلك، وتيقن بأن طابورًا جميل هناك في انتظار الوقوف فيه على حوض خير الأنام صل الله عليه وسلم، وزد يقينا بأجمل تلك الطوابير حسنًا وجمالا على الإطلاق، طابور ليس كمثله طابور، ذاك طابور الاصطفاف على أبواب الجنة في انتظار إذن الدخول، فهنيئا لنا هذا الطابور وجعلني الله وإياك ممن قال الله فيهم ادخلوها آمنين.

عدنان هوساوي

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “الطابور

إبراهيم يحيى أبوليلى

كاتبنا الفاضل الاستاذ عدنان لاننا استمرأنا الوقوف لاتفه الاسباب في الطوابير وان شأت فانظر الى الذين يقفون في طوابير من اجل وجبة فول او شربة سوبيا او قرص سحيرة وانظر الى الجدل والخصومات وقد تصل الى الاشتباك بالايدي في حال الصيام وتسمع الكلمات البذيئة النابية هنا تدرك اننا بحاجة الى وعي والا سنظل وستظل الطوابير سمة لنا بل نحب ان تكون سمة لنا وكم وقفت انظر الى حالنا فوجدت اننا قلما ندرك خطأ ما نحن فيه ويجب ان نعلم اننا قوم لا يمكن الا ان نأخذ كل حقوقنا من خلال الطابور وهذا ليس تشائما بل حقيقة الى ان تتغير هذه الحال …. دمت متألقا كاتبنا الفاضل .

الصحفي

جميل مدارك حديثك أخي عدنان

الطابور هو عبارة عن الزمان والأشخاص وحق تستحقه

تعرف أن الوصول في بعض الأحيان يطول في الطابور
ولكنه النقاء والطهر والبقاء على القمة حين مجيء الفرصة الأخيرة فالطابور خطواته عميقة الجذور ولا تهز قمته زلازل الفساد

كن في طابورك فلا بد أن تصل للمراد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *