المواجهة العجيبة

نشرت صحيفة غران الرائدة والتي تأتي لنا من كل بحر قطرة؛ وتطالعنا من كل خبر من العالم نشرة، وهذا الخبر يجسد معنى الإنسانية التي وضعها الله في قلوب المسلمين دين التسامح والرحمة.

والخبر المرفق لفديو من محاكمة في أمريكا، حيث أحد المسلمين قتل أحدهم ولده ولما حضرت المحاكمة وجلست القاضية على منصة القضاء نطق أبو القتيل بكلمة التسامح التي جعلت القاضية والحضور يجهشون بالبكاء، وقال الأب إنه غاضب لا من القاتل بل من الشيطان الذي سول له الاشتراك في قتل ولده وفلذة كبده وسلبه حشاشة فؤاده، ولم يقف الأمر بذلك الشيخ المكلوم عند هذا الحد؛ بل قام باحتضان القاتل عندما رآه يبكي متأثرًا بتسامح الأب وتنازله عنه، نع؛. إنه منظر اقشعرت منه جلود الحاضرين وكل من رأى هذا المشهد المهيب.

نقول إن هذا العمل الذي قام به الأب يحتاج إلى شجاعة بل قبل الشجاعة يحتاج إلى توفيق من الله تعالى، رجل يقتل ولده ظلمًا وهو يؤدي عمله، وحين يتمكن من قاتل ابنه وله كل الحق أن يقتص منه القصاص العادل يقول في ثبات ورباطة جأش: لقد عفوت عنك، ويحتضن القاتل رحمة منه حينما رآه وجلًا خائفًا معتذرًا من ذوي القتيل، وأيم الله إن هذا لهو المعنى الحقيقي للآية ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ فهل هناك إحسان أفضل من هذا؟

والذي يتأمل آيات القرآن الكريم يجد فيه المعاني الإنسانية التي جُبِلت عليها الأنفس، وأن الإسلام أعطى لكل إنسان حقه، ولن يضيع دم في ظل الدين القويم، وقد حض الدين الحنيف على حفظ الأنفس والعرض والمال والعقل، وأعطى الولاية لأهل القتيل فقال تعالى ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ﴾.

وإني استحضرت قول الرسول الكريم في فتح مكة حين مكنه الله من رقاب الذين آذوه من قريش أشد الأذى؛ فقال بشجاعة ورحمة نبي الإنسانية؛ قال قولته المشهورة ( ماترون اني فاعل بكم ) فقالوا وهم يستجدون رحمته وعطفه أخ كريم وابن أخ كريم، فأعلن فيهم ( اذهبوا فأنتم الطلقاء) وكان في مقدوره أن ينتقم منهم، ولكن كيف يكون ذلك وهو قد بعث رحمة للعالمين؟ ومتى كان وهو الذي وصفه ربه أنه ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) متى كان لينتقم لنفسه وهو الرسول الكريم؟ وأحسب أن هذا الرجل قد استحضر القصة التي حدثت قبل ألف وأربعمائة عام واقتدى بنبيه المعلم ﷺ.

وفي النهاية ماذا يكون حال هذا القاتل الذي عفي عنه؟ لابد أن يكون هذا الشيخ قد أراد بعفوه ذلك خيرًا للقاتل، فإنه إن كان غير مسلم فلربما يدفعه هذا التسامح إلى اعتناق الإسلام بعدما رأى من كرم الإسلام رأي العين، وإن كان مسلمًا فإنه سوف يبقى طوال عمره يحمل في قلبه حبًا لولي القتيل؛ الأب المفجوع في ابنه، وقد يدفعه التسامح هذا إلى أن يكون ابنًا لهذا الرجل الشيخ الكريم.

كل الدلائل تقول ذلك؛ فالنفس الإنسانية دائمًا ما تدفع إلى حفظ المعروف ﴿ هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ ﴾ ولو أن أكبر ظني أن الأب لن يقبل عوضًا عن تسامح،ه فإنه فعل ذلك لأجل الله تعالى ولا يبتغي ثناء ولا شكورًا، ولا أزكيه على الله بل أحسبه كذلك والله حسيبه.

وهذه القصة فيها عبر كثيرة، ولا يجب أن نمر عليها مرور الكرام، فإن الله يضع لنا البراهين والأدلة لنتعلم ونتنبه، فالدنيا وما فيها من أحداث هي المعلم الأول للإنسان، ومن لم يتعلم منها فالرحمة لروحه ونفسه.

وأخيرًا اسأل الله أن يلهم ذوي القتيل الصبر وأن يربط على قلوبهم ويعقبهم خيرًا، وأن يرحم الله القاتل وأن يجعل هذا العفو له حياة جديدة ملؤها الخير والصلاح، وأن يجعل فتنته التي فتن بها درسًا له ولغيره من الشباب الطائش الذي يرى حياة الإنسان ليست إلا مجرد لهو ولعب تسلب لأدنى سبب، وأن يحذروا من خطوات الشيطان فإنها تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.

إبراهيم يحيى أبوليلى

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “المواجهة العجيبة

وضاح

استاذنا الغالي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للكبار نظره ثاقبه وبصيره وحكمه ينظرون للاحداث من عدة زوايا يستخلصون لنا منها العبر والمواعظ فهنايئا لنا بهؤلاء الرجال العظماء امثالك ولا حرمنا الله من نصحهم وتوجيههم استاذنا الفاضل رغم مشاغل الحياه وتزاحم الاحداث تمر بنا مثل هذه المواقف النبيله مرور الكرام

حينما قرات مقالتك التى كتبت بمداد من نور كلماتها صادقه نابعه من قلب رجل صادق محب للخير فمن الطبيعي ان تستقر في قلوبنا

ما اعظمه من عفوا هدفه الاصلاح عفو بعزة لا ذله عفوا عند المقدره نابع من نفس طبيعتها التسامح والصفاء تغلبت على ذاتها السلبيه على الاخذ بالثار والانتقام
نفس مسلمه قدوتها رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي الف القلوب حول دعوته بخلقه وعدله وتسامحه وعفوه ولم ينتقم لنفسه قط

من الطبيعي ان نجد في حياتنا من يؤلمنا بسهام من كلام ويؤذينا بافعال من عمل الشيطان فلو رددنا كل اسائة وجهت لنا باسائه مثلها لفسدت علاقاتنا الاجتماعيه واصبحنا نعيش في صراع دائم لا نهاية له ونعاني من جراح غائره لا يهدا لها الم ولا يتوقف نزفها
فما اجمل واعظم ان نتمسك بديننا الذي يتصف بالتسامح والعدل والانصاف والرحمه
اسال الله ان لا يحرمنا من نصحك وتوجيهك ويجزيك عنا خير الجزاء

ابراهيم يحيى ابوليلى

ايها الأخ الغالي المهندس وضاح وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ……
ان الرجال امثالك هم من يجعلون للحياة رونقا وبهاء وجمالا …فحينما نبدأ في وضع القلم على السطر الاول من الصفحة البيضاء فاذا بخيالكم يترأى لنا وان امثالكم من الرجال الافذاذ هم من يقرأون فنجد انه من الواجب علينا ان نصدق في ما نكتب لانه من المعيب ان نكتب لامثالكم ما ليس نعتقده فبذلك نكون قد غششنا قرائنا الافاضل ولقد وجدنا فيكم انفسنا بردودكم التي تخجلنا فنرى ان كتاباتنا لا ترقى الى نفوسكم العالية وافكاركم فيجب علينا ان نتقن لغتنا ونحاول ان نرتقي في اطروحاتنا لان امثالكم من الكبار هم من يقرأون لنا فاسأل الله ان يجعلني عند حسن ظنكم ولا يحرمنا من تواجدكم وشد ازرنا وتشجيعنا على المضي قدما لما تصبو اليه انفسكم التواقة للرقي والتقدم فمعذرة ان كنا لم نرتقي لما تحبون وارجو ان لا تحرمونا من النصح والتوجيه فوالله انني لاسعد بتوجيهكم لنا اخي الغالي وضاح ودمت بود ودام لك الود …
ولك التحية والتقدير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *