تسعى المجتمعات الإنسانية بتعدد نوع الحضارات فيها وباختلاف مراحل تطورها إلى تجميل الصور النمطية لسلوك الفرد داخليًا وخارجيًا، من خلال وضع التوصيات المساعدة على تحسين هذا السلوك وتسديد الطباع الإنسانية، وفق ضوابط وقوانين تكبح أو تمنع من حدوث التصرفات الخاطئة، بحيث تبدو هذه المجتمعات حاملة لشمائل الفضيلة، وراعية لمكارم الأخلاق، باعتبار أن سلوك الفرد ما هو إلا مرآة تعكس الصورة الأعم لنمط المجتمع.
وأيضًا من خلال إعداد الدراسات المستقبلية التي ترشد إلى السلوك السوي وتحذر من السلوك الخاطيء مع النأي عنه، إما بالتعليم والتثقيف، أو بسن أنظمة ملزمة يُردَع بها الفرد عن كل مظاهر الطيش والسفه التي قد تسيء أو تلحق الضرر بكيان هذه المجتمعات، وذلك نظير اجتناب كل فعل أو تصرف قد ينال أو يحط من شأنها، وأملًا في الارتقاء لمصاف فضليات المحاسن.
وإن من دواعي إتمام وإنفاذ هذه المأثر؛ حضورها ووجودها في المجتمعات الصغيرة، كالأسرة والعشيرة على سبيل المثال، فهؤلاء يعدون النواة الاجتماعية الأولى المعنية بالتنشئة والإصلاح، كما أن التأسي والاقتداء لن يتأتى مالم تكن تلك الأسر حاملة للواء هذه الفضائل، فوجود النماذج المؤثرة فيها سيدفع من مناقبها للظهور والبيان، والإنسان بطبعة عامل يتأثر ببيئته ويؤثر في محيطه.
تلك المقدمة التي استرسلت في سردها وأفضت لم تكن إلا مدخلا للوصول إلى عنوان المقال، فمظاهر السلبية الخادشة للحياء والمسيئة أيضًا للذوق العام، تتطلب مثل هذا الإسهاب وإن لم يكن هذا الإسهاب بحجم التمادي في السلوك الذي أخذ حيزًا واسعًا لدى الشباب حتى غدا ظاهرة تستحق الالتفات لها قبل أن تستفحل، وإن كانت في حقيقة الأمر قد استفحلت واستفحل شرارها، فتسكع بعض الشباب وتجولوا في الأسواق والمستشفيات والمنتزهات العامة (بالشورت) الذي لم تسلم منه حتى دور العبادة للأسف الشديد.
لقد أصبح هذا السلوك الأعوج سلوكًا لا يطاق، على أن هذه الثلة لا تمثل السواد الأعظم، إلا أنها نقطة سوداء وبقعة شنعاء شوهت مجمل المنظر العام، فقد أضحت الأماكن العامة مرتعًا خصبًا لزمرة تعدت على أدق خصوصيات المجتمع العف، ونالت من مبادئه في حرية التنزه والتسوق، فكم من مرتاد لهذه الأماكن العامة ساءته هذه التصرفات الهوجاء.
وإن إطلاق صرخة مدوية تمضي في تصحيح هذا السلوك واجب شرعي، يمليه علينا ديننا قبل كل شيء، فمشاعر الناس يجب أن تراعى وتحترم.
وأخيرًا أقول إن المجتمعات حين تعكف على بث الوعي بين شبابها فهي بذلك تحافظ على استمرارية حضارتها، فديمومة هذه الحضارة معلقة بتمسك الشعوب بمقوماتها الأساسية برهان التمدن وبقاء الهوية، وإن من أبسط تلك المقومات التمسك بالزي الوطني، ونبذ كل رداءٍ وملبس يسيء لهذه الهُوية.
عدنان هوساوي
مقالات سابقة للكاتب