شواهد على العصر

شاهدنا الأول ليس كغيره؛ هو قوي، شهادته ليست هينة وبينته أي بينة، يا حسرة لو كان علينا شهيداً، رب اجعله شاهداً لنا لا علينا؛ إنه القرآن الكريم، كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل العزيز الحكيم.

لن أتكلم هنا عن شهادته في تطبيق الأحكام و السير على نهج ما فيه من عظيم البيان، فهذه أعظم ولن يتسع لها مقال بسيط، لكن سأتكلم عن هجر التلاوة فقط وإهمالها في أغلب البيوت مع شديد الأسف، إلا من نفر قليل داخل المنزل.

الحديث هنا يدور بين مصحفين في مسجد بعد أن منّ الله عليهما بالخروج من بيتين من بيوت المسلمين العامرة بالأجهزة اللوحية والتكنولوجية الرقمية، التقى المصحفان في رف أحد المساجد نظيفة أغلفتهم.

الأول يحكي سبب وجوده في المسجد، فيقول: كنت في أحد رفوف البيوت يعلوني الغبار حتى التنظيف لا يطول غلافي لأني في رف عالي منسي.. المنزل ملئ بالشباب والفتيات والوالد والوالدة، وتوجد مصاحف كثيره غيري؛ واحد تتعهده الوالدة تلاوةً وحفظاً، والآخر يأتي الوالد بين الفينة والأخرى قد لا يتجاوز بضع صفحات فهو دائماً مشغول أو مع أصدقائه .

أما الأبناء ففي أول رمضان فقط لي معهم لقاء ببضع صفحات، ومن ثم أعود لمكاني، وقد سمعوا بحملة لجمع المصاحف الزائدة لإرسالها لبلد ما وكنت ممن وقع عليه الاختيار، لعلي أجد من يقرأ في هذه البلاد خيراً من بلدي مهبط الوحي، وأنت ماذا أوصلك إلى هنا؟

أنا قصتي لا تبعد عن قصتك.. نفس ما أوردت.. نفس ما قلت لكن مع اختلاف بسيط، كنت بين أيدي لا تفتر عن تلاوتي وعيون أرى مدامعها كل ما مرت بآية تهديد أو وعيد، وأرى ابتسامتها كلما مرت ببشارة ورفعت يديها لباريها راجية أو مستغفرة، لكن عندما رحلت من الدنيا تلك الجدة بقيت في نفس المكان، الكل يمر ولا أحد يحاول حتى رفعي من مكاني أو إزالة الغبار عني إلى أن سمعوا بتلك الحملة فأتوا بسرعة أخذوني وأوصلوني لأيدي أرجو أن تكون أفضل في هذه البلاد.

الأول مضيفاً إلى الثاني: قد أخبرك عن نادرة من نوادر ذلك المنزل؛ امرأه تشير على صديقتها بعد أن احتارت في إخفاء مبلغاً من المال تقول لها: ضعيه في الصحف وتأكدي لن يفكر أحد حتى في وجودها فيه.

حكايات تدمع لها العيون مع المصاحف في بيوتنا وبين من يفترض أن يكونوا من أهل القرآن، لعلنا ننتبه ونستيقظ قبل فوات الوقت وبلوغ النهايات، فيا أهل القرآن انتبهوا وكرروا كثيراً “رب اجعله شاهداً لنا لا علينا” لعل الله يرحمنا.

حجازية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *