حدث في مثل هذا اليوم: الصلح بين السلطان العثماني ووالي مصر

حدث مثل هذا اليوم 18 ذي القعدة عام 1248هـ

توقيع معاهدة «كوتاهية» بين السلطان العثماني ومحمد علي والي مصر

كان مُحمد علي والي مصر داهيةً، طموحًا إلى حد الهوس، يحلم بتكوين إمبراطورية كبيرة على غرار دولة المماليك الكبرى، وهو صاحب توسعات وأفكار استعمارية لا يبالي بأي شيء يقف في طريق طموحاته الذاتية، حتى ولو كانت تلك الطموحات على حساب الأمة والدين، وقد وصل إلى أرض مصر كضابط صغير في جيش العثمانيين، فأخذ بالمكر والدسائس إلى أن وصل إلى حكم مصر؛ وبمجرد أن وصل إلى الحكم تخلص من كل من عاونوه ووثقوا فيه، كما تخلص من كل ما يشكل خطرًا على حكمه؛ وما مذبحة المماليك عن أذهاننا ببعيد.

وقد علم الأوروبيون بهوس محمد علي ببناء إمبراطوريته الخاصة، فعزموا على استغلالها كي يضربوا بها الأمة الإسلامية من الداخل عن طريق إضعاف دولة الخلافة التي كانت تعيش مرحلة متأخرة من مراحل الضعف، فاشترك الإنجليز والفرنسيون في تحريض محمد علي كي يتوسع في أراضي الدولة العثمانية.

ولاقى تحريض الأوروبيين توافقًا مع رغبات محمد علي، فاستغل فرار عدد من التجار من مصر إلى الشام ولجوئهم إلى والي عكا عبد الله باشا الجزار هربًا من الضرائب الفادحة التي فرضها عليهم محمد علي، وكذلك بعض المصريين الذين هربوا من التجنيد في جيشه، ورفض الجزار إعادتهم، فأرسل محمد علي حملة برية وبحرية إلى الشام بقيادة ولده الشهير إبراهيم باشا، ورحبت الدول الأوروبية بهذه الحملة ودعمتها وذلك سنة 1247هـ.

اكتسح إبراهيم باشا غزة ويافا والقدس ونابلس وحيفا، فأرسل السلطان العثماني محمود الثاني جيشًا لرد المصريين، فانتصر عليه إبراهيم باشا، ثم دخل عكا ومن بعدها حلب، ثم واصل تقدمه مكتسحًا الجيوش العثمانية الواحد تلو الآخر، حتى اجتاز إبراهيم باشا جبال طوروس واحتل أضنة وأصبحت أبواب إستانبول مفتوحة أمامه، وهنا فقط شعرت أوروبا بالخطر، فهم كانوا عازمين على إضعاف الدولة العثمانية فحسب، فإذ بهم يفاجؤون بقوة جديدة فَتيّة توشك أن تجمع بلدان الإسلام تحت إمرتها، فخافوا وقرروا أن يسعوا إلى إيقاف تلك القوة؛ خاصةً مع علمهم بهوس محمد علي ونزعته الاستقلالية.

فهددت الدول الأوروبية محمد علي بإفناء جيشه، وأمروه بأن يتوقف وإلا اجتمعوا عليه، رفض محمد علي في البداية، ولكن بعد عدة مناوشات وجد فيها أن كفته ضعيفة وأنه لا يستطيع الوقوف أمام هؤلاء، فقبل الصلح مع السلطان العثماني، وفي مثل هذا اليوم 18 ذي القعدة عام 1248هـ، تم توقيع معاهدة كوتاهية بين محمد علي والدولة العثمانية، والتي كان من أبرز بنودها:

1 ـ أن ترجع جيوش محمد علي عن إقليم الأناضول إلى ما بعد جبال طوروس.

2 ـ أن يُعطى محمد علي ولاية مصر مدة حياته.

3 ـ يعين محمد علي واليًا من قبله على ولايات الشام (عكا ـ طرابلس ـ دمشق ـ حلب) وأيضًا جزيرة كريت.

4 ـ يعين إبراهيم باشا واليًا على إقليم أضنة.

واضطر السلطان محمود الثاني إلى توقيع الاتفاقية وهو يُضمر في نفسه الاستعداد للحرب مرة أخرى ويؤدب واليه المتمرد محمد علي، والذي يعده الكثيرون من أهم أسباب سقوط الخلافة الإسلامية ووقوع البلدان الإسلامية تحت وطأة الاحتلال الغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *