التقرير الخطير للهدهد

عندما نتحدث عن الأمور الغيبية فإننا نستحضر عظمة الخالق جل وعلا، وأنه هو المتصرف في أمور الخلق، قال الله تعالى ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ مِن هذا المنطلق نقول إنه عندما جاء الهدهد الجندي الأمين في سلك الدبلوماسية السليمانية بعدما غاب حتى فقده نبي الله سليمان وهدد بأن يعاقبه عقابًا مميتًا بالذبح إن لم يأتِ ببرهان ودليل وسبب مقنع لغيابه.

إنه الانضباط في مملكة سليمان النبي يعطي دروسًا لكل الممالك والدول في كل عصور التاريخ إلى يوم البعث، وقف الهدهد ومكث غير بعيد عن مليكه وقوف الواثق من نفسه؛ وقوف الصادق؛ وقوف لا ريب فيه ولا شك؛ استعدادًا لسرد تقرير مفصل وخطير عن أعظم قضية خلق هذا الكون لأجلها، وبها قامت السموات والأرض؛ إنها قضية التوحيد والإيمان بالله رب العالمين، والاستسلام الكلي له.

تقرير عن رحلته التفقدية، وهذا التقرير مفاده أنني رحلت إلى مملكة سبأ باليمن، وتطلعت إلى أحوال القوم هناك وجئتك منها بنبأ يقين صادق إني وجدت لهم مملكة عظيمة وأن إمرأة تملكهم وتحكم فيهم وقد أوتيت من كل شيء حتى أن الله حباها عرشًا عظيمًا، وهنا استدرك الهدهد قائلًا: برغم هذا الملك العريض وما أنعم الله به على أهل هذه المملكة إلا أنهم بدلا من أن يعبدوا الله المُنعِم ويسجدوا له اعترافا بهذه النعم العظيمة، وتسليما بربوبية ربهم وأولوهية إلههم وخالقهم، سول لهم الشيطان وزين لهم أعمالهم في السجود للشمس من دون الله وهي إحدى مخلوقات الله التي أوجدها الخالق لكي ينعم الإنسان بها ويستفيد منها وهي مسخرة له.

واستغرب، بل تعجب الهدهد المؤمن واستطرد مستنكرا فعلهم هذا ومعللا استنكاره بـ﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) ﴾ يقول بعض المفسرين إن الهدهد عندما قال الذي يخرج الخبأ في السماوات والأرض؛ إن الله أعطى الهدهد من قوة البصر بحيث يرى الماء وهو في جوف الأرض،
وهنا يتبين أن الانسان المميز بالعقل يصبح أقل منزلة من طير أو حشرة حين يتردى بعقله إلى ما دون مرتبة الحيوان، عندما يعبد مخلوقا أقل منه منزلة وهو خلق لفائدته وسخر له هو.

نعم تعجب الهدهد وتحير في أمر هؤلاء المخلوقين لله حتى أنسته الحيرة والعجب ما أرسل له، وانه جندي حان موعد مثوله بين يدي مليكه النبي المجاهد، كيف يعرف مخلوق بهذا الصغر أن الشيطان هو من زين لهم هذه العبادة؟ برغم تحذير الله لهم من كيده منذ خلق أباهم آدم، وما حاك من مؤامرة ضده في الجنة، وحذرهم عالم السر وأخفى بأن لا يخدعنهم الشيطان عن عبادة ربهم وخالقهم والمنعم عليهم بشتى النعم الظاهرة والباطنة.

إنه الايمان، نعم أيها الإنسان الجحود والمنكر عطايا ربه الذي خلقه وأنعم عليه ثم يتولى عن الخالق ويعبد مخلوقا هو أقل شأنا منه، فكم في القرآن الكريم من عبرٍ لو تفكرنا في آياته وتدبرنا، ويجب على الإنسان أن لا يمر عليها وهو معرض عن الحكمة المبثوثة في آياتِه.

نعم إنه إيمان الهدهد الأمين، ونعلم من هذا أن كل الذين كانوا تحت إمرة نبي الله سليمان من الجن والإنس والطير يخضعون لرب واحد ولحكم نبي مرسل من ربه، فعلى الناس المعرضون عن ربهم أن يخجلوا من أنفسهم حين يعلموا أن بعض المخلوقات التي لا تتميز بالعقل مثلهم يوحدون الله العلي، في حين أنهم من كان الأولى بهم أن يكونوا حاملي هذا الإيمان، وكل الدلائل في الكون تخبرهم وتدلهم إن جرّدوا النفوس والعقول من الأهواء أن الله أحق بالعبادة والسجود له من دون الأحجار والأشجار والكواكب والشموس وكل ما سول لهم الشيطان عبادته من دون الله.

فاللهم ارزقنا الإيمان الكامل، واليقين الصادق حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا غير غضبان، وأوزعنا أن نشكر نعمك التي أنعمت علينا إنك أنت الوهاب.

إبراهيم يحيى أبوليلى.

مقالات سابقة للكاتب

8 تعليق على “التقرير الخطير للهدهد

وضاح

يعد هدهد سيدنا سليمان عليه السلام اول جهاز مخابراتي في العالم وان كان سيدنا سليمان توعده بالعذاب والذبح اذا لم يكن لغيابه سبب مقنع وهذا يعلمنا الانظباط وعندما اتاه بخبر بلقيس ومملكتها علمنا سيدنا سليمان درس اخر وهو التاكد من الخبر قبل صدور الحكم
سبحان الله هذا الهدهد الايجابي كان سبب بدخول امة كامله في الاسلام وان هذه الايجابيه للاسف الشديد التى نفتقدها في اغلب الاوقات بان لا نبادر الى عمل او بذل الا حينما نكلف ونؤدي ما نكلف به ببطء في الاداء وتثاقل في التنفيذ
استاذنا العزيز ابدعت كثيرا في مقالك وفقك الله والى الامام في حفظ الله ورعايته

ابراهيم يحيى ابوليلى

استاذنا القدير وضاح اكبر فيك قرائتك الواعية وابداعك في تفنيد الامور لمثل عقلك نكتب نعم و للعقول الواعية المبدعة ولقد زدت المقال وضوحا فإن فاتني شيئ فأنت قد استدركت واكملت ما فاتني فالمؤمن مرآة اخيه ولقد اعجبتني جدا قرأتك والمتأنية الواعية ونحن نتعلم من امثالك فأسال الله ان لا يحرمني من هذه العقول المبدعة الواعية بارك الله فيك ورفع قدرك في الدارين ورزقك السعادة في الدنيا والآخره وتقبل منا ومنكم الطاعات فشكرا لك مرارا وتكرارا ودمت بود وعلى ود.

محمدصالح المغربي

انت رائع جداً جداً جداً موضوع جديد عرض مميز يستحق القراءة والإشادة

محمد الشرهاني اللهيبي

اخي الاستاذ ابراهيم يحي ابو ليلي ابداعاتك دايما تستحق المتابعة والحقيقة انها دليل على ثقافتك العلمية فانت تستحق دائم أن تكون متميزا وتستحق أن يشار لك بالبنان

ابراهيم يحيى ابوليلى

اخي الاستاذ محمد صالح المغربي شكرا لتواجدك الدائم ومرورك العطر بمقالي المتواضع لا حرمني الله منك سلمت ووفقت.

ابراهيم يحيى ابوليلى

استاذي العزيز محمد الشرهاني اللهيبي هذا من تواضعك وفكرك النير اسأل الله تعالى ان اكون عند حسن الظن وانا انما بكم وبشدكم من ازري امضي واسير بعد توفيق الله تعالى اسأل الله القدير ان لا يحرمني من هذه الإطلالات البهية ودعمكم المتواصل الكل وبدون استثناء فبارك الله في رأيك وجزاك الله خير الجزاء وتقبل الله منا ومنكم الطاعات سلمت اخي لك ودي .

ابراهيم يحيى ابوليلى

عذرا استاذي محمد الشرهاني اللهيبي في كتابة الاسم خطأ رفع الله قدرك ورزقك سعادة الدارين ووالديك ومن تحب … عذرا .

جبريل عمر محمد

كلمات جعلتني ابتسم لروعتها …??

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *