فتاتة خبز

سبحان الله وما أعظم شأنه! .. كنت جالساً وسقطت من يدي فتاتة صغيرة جداً من خبز كان بيدي ، فتابعتها بنظري وإذا بنملة تجيء إليها مسرعة كأنها مرسولة لها ، فأبعدت النملة بلطف إلى الجهة الأخرى ، لأنظر ماذا تفعل ؟

بعد ثواني وإذا بأخرى تجيء مسرعة ، حتى وصلت بجوار فتاتة الخبز ، لكنها لم تمسها ، دارت ودارت حولها كأنها تبحث عن شيء آخر ، فأبعدتها بلطف وإلى جهة أخرى ، وإذا بنملة ثالثة وبنفس الصورة لا تمس الفتاتة ، وتعاملت معها كذلك مثل السابقتين ، لأنظر ما سر هذا النمل ؟

ووالله تكرر مجيء النمل واحدة بعد واحدة وبدأت أعده حتى بلغت العدد ثلاثين .. فتبسمت تعجباً من فعله بعد أن فهمتُ أن النمل فقد الأولى ثم تتابع يبحث عن بعضه كأنه يتناصر ويتعاون ويتراحم ، ترك الطعام وانشغل يبحث عن المفقود منه ، سبحان ربي الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى !

وذكرت قوله سبحانه في سورة النمل (حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا …) ، وازداد عجبي وأنا أقارن بين نجدة النمل لنملة راحت عنهم فغابت ، وبين مقاطعة أناس لأقاربهم أزماناً طويلة لأسباب تافهة أو مشكلات انتهت وأرمت أو حقوق استعيدت ولم يبق سبب يستحق أن يذكر ، غير أن النمل هذا الحيوان الصغير يضرب الله لنا به مثلاً في التواد والتراحم والتعاون والتعاضد ، وكم من الأمثال لنا ضربت ، ونحن على مانحن فيه من خطأ مصرون .

لقد حكيت قصتي هذه مع النمل لصديق وذكر لي عن النمل عجائب كثيرة ، وذكر لي حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر من أمور النمل مع نبي من أنبياء الله عليهم السلام (عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة، فأمر بجهازه، فأخرج من تحتها، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة ؟ ) وفي رواية (فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح) وأخبرني أن هذا الحديث في الصحيحين .

ولقد أُعجب بالقصة ومافيها من تعظيم لله ومافيها من مثل سلوكي ، الإنسان أولى بأفضل منه ، واقترح علي أن أنشر القصة ، واستعنت به على ذلك وهاهي لتقرؤوها ، فكم مثلها يصير معنا في حياتنا وتمر من غير أن تسترعي انتباهنا.

عبدالمغني عبدالله الشيخ

مقالات سابقة للكاتب

11 تعليق على “فتاتة خبز

فؤاد الحميري..

سبحان الله العلي القدير على عظيم مخلوقاته..
شكرا للكاتب على المقال، وعلى نصيحة التواد والتراحم بين الناس..

إبراهيم يحيى أبوليلى

من المعلوم أن كل ما يدور في هذا الكون يجب على المرء العاقل الحصيف أن يتأمل بعين البصيرة ويأخذ منه العبر كما فعل كاتبنا القدير الاستاذ عبدالمغني فإن هذا التأمل يملأ القلب إيمانا ويقينا وحكمة والا من أين أتى الحكماء في هذا العالم المليء بالحكم سوى مشاهدات يظنها الإنسان بسيطة فإذا هي تحمل كل معاني الرأفة والحلم والأناة والتعاون والتعاضد ومن الجميل أن الكاتب لم يقف عند تأمله حال النمل بل هداه فكره النير أن وضع مقارنة بين تعاون النمل وما يفعله الناس من قطع الارحام لاتفه الأسباب ويفتحون بابا للشيطان وطريقا معبدا له كي يدخل بينهم ليدق اسفين الخلاف وهم الذين ميزهم الله بالعقل والادراذك اليس عجبا أن تكون نملة بحجمها الصغير تعقل واكثر حكمة وتعاونا من بني الإنسان واخيرا شكرا لكاتبنا القدير هكذا تكون المقالات التي يستقي منها الإنسان الحكمة والعلم فبورك قلمك ورأيك وأسأل الله أن يكتب لك الاجر والمثوبة فيما خط يراعك وتمخض عنه فكرك النير لك مني كل تحية وتقدير .

صالح الشيخ الهاشمي

اخي الحبيب مقال يستحق القراءة عدة مرات لما يحتوية من عبارات يجب علينا ان نتعظ بها وماذكرته عن النمل من التواد والتراحم نحن بني البشر أولى بذالك ولكن ؟؟؟

اوجاع كاتب

ليت قومى يتعلموا من هذه النمله الوفاء والتضحيه والتعاون فيما بينهم لقد انهكتنا خلافات القيل والقال
دمرت علاقاتنا ببعضنا البعض أصبحت علاقاتنا معقده تعاني من خرف الشيخوخة ميراثا من الحسد والهموم حينما صمت عقلائنا سلبت منا عقولنا وتمزقت بقايا من نحمله من قيم ومبادئ سلمنا امرنا لسفهائنا لنتحول الى حمقاء نتقاتل من اجل اوهام وخرافات
علاقات مبنيه على الفوضى والعبثيه وتصفية حسابات نحن ضحيتها لأننا أصبحنا لا نملك من امرنا شئ هلكتنا اصنام زمن الغفلة مزقتنا أصبحنا مجرد دمى يحركونها متى ما أرادوا يدعون للفضيله وهم كاذبون ونحن نعلم انهم كاذبون ومع ذالك نصدقهم لأننا مجرد قطيع لا قيمة له وإلا لما عق الابن أباه بسببهم ولا قطع الأخ علاقته بأخيه ما أحقرها واتعسها من حياة ذُل وخنوع
يا امواتنا نشتكي لكم مما فعل بنا الأحياء من بعدكم

ليس أنتم يا أهل المنطقة نحن قوم من عالم المريخ
منطقتكم يضرب بها المثل في كل شيئ في كل شيئ في كل شيئ

وارد بن شاكر الصحفي

ماشاء ألله تبارك الرحمن مقال يستحق الثناء والاقتناء والاتعاذ مما فيه من حكم من قدرة الخالق ومن ضعف وجهل الكثير منا وقد نال إعجابي بوضع يده على الجرح أكثر تعليق أوجاع كاتب بارك آلله في الكاتب والمعلق والصحيفة

وضاح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استاذنا الفاضل ابدعت كثيرا فيما كتبت فالتأمل والتدبر في مخلوقات الله أمرا امرنا به الله وإلا لما عرف الانسان كيف يواري جثمان أخيه ولولا الهدهد لما اسلمت بلقيس وقومها والأمثلة كثيره استاذي الفاضل علاقاتنا الاجتماعيه تمر بمراحل قوه وضعف شد وجذب تلك سنة الحياه نختلف في أمورا كثيره قابله لعده آراء ولكن الود والمحبه باقيه فاختلف مع اوجاع كاتب في جلد الذات فليست هناك اصنام ترهقنا ولم تسلب عقولنا فالأخوة والمحبه قائمه ولو اختلفنا فأنه يحيط بِنَا سياج من المحبه والوفاء والتقدير والاحترام والتعاضد والتكاتف على كل مافيه خير.
اوجاع كاتب لك التقدير والمحبه والاحترام والاختلاف في الرأي أمرا وارد فنحن بشرا نخطئ ونصيب وعلينا انتقاء الكلمه الجميلة وان لا نفتش كثيرا في احوال من حولنا وان لا نهول الأمور ونحملها ما لا تستحق وتذكر من يدخل حضيره الذئاب فعليه ان يتحمل النتائج
استاذنا الفاضل كاتب المقال مرة اخرى لك خالص الود والاحترام على هذه المقاله الرائعه والمفيدة

غير معروف

????

اوجاع كاتب

اعتذر على قسوة الكلمات وعنفها وما اريد الا الخير للجميع ارجوا ان تتقبلوا عذرى بصدر رحب كما تقبلت انتقادكم بصدر رحب

مصلح البشري ابوخالد

شكراابوعبدالحفيظ على هذا المقال الجميل ونرجو منك الاستمرار في مثل هذه المقالات التي فيها فوائد كثيره نستفيد ونتعلم منها

إبراهيم يحيى أبوليلى

الاخ القدير اوجاع كاتب انت مثال لدماثة الاخلاق والشجاعة فليس كل انسان يستطيع إذا أخطأ أن يقول أخطأت الا المميزين والشجعان فبارك الله فيك من إنسان شهم كريم والاستاذ وضاح كما قلت دائما هو لديه من الحكمة ما يستطيع أن يتغلغل في الأنفس فينزع عنها ما علق بها وكأنه طبيب ماهر يجس موضع الالم فيعالجه بحرفية غاية في البراعة ما اجمل التكاتف والتعاضد والوئام انتما الاثنين حقيقة تشكلان أيقونة صلح بين المناوئين فهنيئا لكما الاجر والثواب تحية طيبة لشخص كل منكما والود والتقدير … والشكر موصول لصحيفة غران الرائدة.

محمدصالح بن ساعد الصحفي

شكراً يا أبوعبدالحفيظ على هذا المقال الجميل الهادف وتسلم يمينك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *