حدث في مثل هذا اليوم: معركة «ملاذكرد» وهزيمة إمبراطور الروم

تعد معركة “ملاذكرد” من أيام المسلمين الخالدة، مثلها مثل بدر، واليرموك، والقادسية، وحطين، وعين جالوت، والزلاقة، وغيرها من المعارك الكبرى التي غيّرت وجه التاريخ، وأثّرت في مسيرته، وكان انتصار المسلمين في ملاذكرد نقطة فاصلة؛ حيث قضت على سيطرة دولة الروم على أكثر مناطق آسيا الصغرى وأضعفت قوتها، ولم تعد كما كانت من قبل شوكة في حلق المسلمين، حتى سقطت في النهاية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح.

تولّى السلطان “ألب أرسلان” الحكم في عام ٤٥٥ ه‍ ،وكان يُعرف بالخير والصلاح والطموح، وبدأ ينشر روح الجهاد بين جنوده، فبدأ بمحاولة التوسع على حساب الإمبراطورية البيزنطية التي كانت غافلة في ذلك الوقت، فقام بحملة كبيرة في الأقاليم النصرانية على حدود دولته، وراح يفتح بلاد الكرج والمناطق القريبة والمطلة على البلاد البيزنطية في الغرب، وقاد الجيوش نحو الجنوب في أذربيجان.

وظل يفتح البلاد في الأراضي الأرمينية، وقد هادن ملك الكرج ألب أرسلان وصالحه على دفع الجزية، وحينها كانوا قد سيطروا على قلب أرمينية فكان الطريق أمامهم مفتوح لكي يعبروا إلى الأناضول، وبالفعل اتجهوا نحو الأناضول، فتم الاستيلاء على نيكسار وعموريَّة وقُونيَّة.

كان ألب أرسلان متلهفاً للجهاد في سبيل الله ، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدولة المسيحية المجاورة له، كبلاد الأرمن وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الإسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيماً للجهاد، وحريصاً على نصرة الاسلام ونشره في تلك الديار، ورفع راية الاسلام خفاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية.

وأفاق الإمبراطور البيزنطي “أرمانوس” وقرر أن يخرج ليواجه ويؤدب ألب أرسلان بنفسه وينتقم من المسلمين وينهي دولة السلاجقة بشكل تام؛ وبالفعل جهز جيشًا ضخمًا واتجه نحو “ملاذ كرد” حيث يعسكِر الجيشُ السلجوقي.

قال ابن كثير مُتحدثًا عن هذه الوقعة: “وفيها أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والرخ والفرنج، وعدد عظيم وعُدَد، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، ومعه مائتا ألف فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً، ومن الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفاً، ومعه مائة ألف نقّاب وخفار، وألف روزجاري، ومعه أربعمائة عجلة تحمل النعال والمسامير، وألف عجلة تحمل السلاح والسروج والغرادات والمناجيق، منها منجنيق عدة ألف ومائتا رجل”.

ويقد قف عقلك ـ أخي القارئ ـ عندما تعلم أن السلطان “ألب أرسلان” التقى أرمانوس وجيشه وعددهم يقترب من عشرين ألف! التقاه السلطان بعد أن سلَّم أمره إلى ربه ودعاه وأخذ بالأسباب، فأخذ بقول الفقيه “أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري” الذي قال له: ” إنَّك تقاتل عن دينٍ وعد الله بنصرِه وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتبَ باسمك هذا الفتحَ، فالْقَهُم يوم الجمعة في السَّاعة التي يكون الخطباء على المنابر؛ فإنَّهم يدعون للمجاهدين وقتها”.

وفي مثل هذا اليوم 25 من ذي القعدة لعام 463هـ ، التقت جيوش الإسلام بجيوش الكفر، ونصر الله دينه وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، حيث نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، فأنزل نصره على المسلمين ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وأسر ملكهم أرمانوس، وتعد تلك المعركة هي حد فاصل في تاريخ الإسلام عمومًا، وفي تاريخ دولة السلجوقية الوليدة، والتي ظلت تحكم بعدها تلك المنطقة لقرنين من الزمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *