لا تهز ثوابتي

استراح في لحظته ولم يعي ما ترك أثناء رحلته، كان يعيش مشكلة في العبء الموكل على ظهره، أو كما يقول إنه يحمل رسالة إلى مجتمعه، وإنه ينظر في مواجهة كل المشكلات التي تعتريه بقوة واصرار، وكان سؤال صاحبه واضحًا، حيث قال: لديك يا صديقي رسالة في ما حباك الله فكيف يتم التعامل معها؟ قال ـ وكأنما وجد الإجابة التي تتردد على فمه دائماـ : أنا صاحب هدف مقتنع بما أعمل، وكان الجواب مدويا من صاحبه: وماذا يعني ذلك؟

قال: يعني أنني أزيح أعباء المجتمع بما يقدم لهم من وضوح في حل قضاياهم ومشكلاتهم التي يواجهونها، فرد عليه صاحبه: وكيف ذلك وأنت تستعرض المشكلة بوضوح؛ وكأنك تريد توضيح الصورة للمجتمع؟ قال: نعم أنا أفعل ذلك حتى يكون الأمر جليًا لبقية أفراد المجتمع.

نظر إليه صاحبه وسأله: بالله عليك؛ من وجهة نظرك أيجب أن نقدم قضية أو صورة موجعة في مجتمعنا للجميع؟ قال: نعم ليزيد الوعي فلا يرتكب أحد مثلها. نظر إليه صاحبه مشمئزًا، وقال له: أنت كيف تفكر؟! عندنا مشكلة أو موضوع سيّء في المجتمع، هل يجب أن يعلم به الجميع؟! قال مُصّرًا على موقفه: نعم؛ لتوعيته بما يحدث.

احمر وجه صاحبه، وانتفخت أوداجه، وقال بصوت مرتفع: عفوًا يا صديقي ما أضاف للمجتمع من مشكلات وأعباء كنت أنت طرفا فيها، أنت تهز ثوابت المجتمع.

قام من مجلسه واقترب من وجه صاحبه وهو يقول بسخرية: كيف هذا بالله عليك وأنا قد أخبرتك أهدافي؟ قال: والله ما نثر الإشاعات والسخافات واللامبالاة في المجتمع إلا ما تقوله وتفعله، قال: كيف ذلك؟ (وهو يبتسم بسخريه لا متناهية).

 قال: كان بإمكانك أن تلمح لأي مشكله في المجتمع دون أن تصرح بها، فما يعنيني أنا أن تعطيني تفاصيل لا تُفيدني بشيء غير أنها تهز ثقتي بمجتمعي؟ وتهز ثقتي بروعة ما يمتلكه هذا المجتمع من ثوابت يُؤْمِن بها، وإشاعة الأفكار التي يستهجنها أفراد المجتمع ويشعرهم أن ذلك ليس فيه أي خرق للعقيدة ولا للعادات والتقاليد والتي يُؤْمِن بها المجتمع.

عذرا يا صديقي ما أضعف من التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية إلا أمثالك، تطرحون القضايا وخاصة اللاأخلاقية على مجتمعنا، وعندما تتحدث إلى عقولهم تنادي بالخلق، تنادي بالقيم، تنادي بالعادات والتقاليد المستمدة من عقيدتك كيف؟ حدّث الجاهل بما يدرك!

نظر إليه وقد عاد يجلس مستمعا إليه وهو يقول ماذا يعني هذا؟!

قال: يعني أنك أفسدت المجتمع من حيث كانت نيتك الإصلاح؛ فقد استعرضت موضوعات ما كان يجب أن يعلمها الجميع، أخبرتهم وفِي إخبارهم ما يعني أن الموضوع قد يحدث بينكم، فلا تستهجنوه، فقد حدث في مجتمعك القريب منك، في مكان كذا وكذا، قال: نعم؛ كأنها وصلتني الفكرة.

قال: يجب ان تصل الفكرة للجميع، وأيًا كانت المشكلة أو القضية وتريد إيصالها فلا تفتح ملف التفاصيل، وأوجز الموضوع بطريقة تصل للمعني ما تريد، وتستمر ثقة الناس فيما لديهم من قيم، ولا تجعلهم يشعرون بأنها بالية، وأن الحضارة أن تفعل غير ذَلك، والقيم هي نتاج عقيدة دينية، والعادات والتقاليد حصاد ثوابت يُؤْمِن بها المجتمع تصل أوتادها إلى عمق العقيدة الدينية، وإن كانت غير ذلك ويمكن تغييرها لتصحيح فكر في المجتمع مؤمن بتوجهاته وأنت تخاطب عقولهم.

فإذا كنت صحفيا أو معلمًا عليك أن تلمح ولا تصرح، أو مهندسا أو طبيبا أو رجل أمن فأنت ليس من مهامك أن تخبر عن المشكلات في محيطك بوضوح، بل أن تلمح للعظه والعبرة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

قال وقد استوعب الدرس: ليتني سمعتك من قبل أن أطرح المشكلات على الناس وكأني أخبرهم أن مجتمعنا مريض يحتاج إلى علاج فيطلبون العلاج من الخارج؛ خاصه من قبل الشباب والذين فقدوا القدوة الصالحة في محيطهم وتركو ثوابتهم.

آمال الضويمر

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “لا تهز ثوابتي

غير معروف

ذهب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *