إن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن ينبه الناس إلى أمر مهم ، يقسم به ليصغوا ويسيخوا السمع بل كل الجوارح لتلق الأمر..
وقد أقسم الله سبحانه بالقلم فقال ( ن , والقلم وما يسطرون ) ، ثم بعد ذلك يأتي بجواب القسم … ولم يقسم الله بالقلم إلا لعظم مكانته .. فمسؤولية القلم عظيمة وخطيرة جداً والكتابة أمانة من يحمل عبئها يجب عليه أن يراعي حقها كل الرعاية ، وأصدقكم القول أنني ما وضعت القلم على الصفحة لأكتب حتى تنتابني قشعريرة ورهبة وأتذكر دائماً قوله تعالى ( مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ) يسجل كل كلمة بأمر ربه … والكلمة قد ترفع مجتمع أو أمة بالصدق والعكس كذلك ، فقد تنهار أمة بكاملها بما يكتب ، ولقد قال الله سبحانه وتعالى عن اليهود موبخاً إياهم ( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ ) ..
والذي يتحرى الصدق فيما يكتب يمنحه الله السكينة والطمأنينة والسلام ، ولن يتأتى ذلك إلا إذا جرد الإنسان الفكر والقلب من الأهواء والأثرة وحب النفس ويتحرى فيما يكتب رضا خالقه أولا لأنه المطلع على خفايا القلوب وأحاديث النفس ..
الكتابة مهنة شاقة كما نقول دائماً فكل كلمة بل كل حرف يخطه اليراع يحسب للكاتب أو عليه …. فالأمة اليوم تحتاج إلى الكاتب الصادق دون عن ماسحي الجوخ والمتملقين والمنتفعين والذين يقدمون مصالحهم الشخصية أو الفئوية على مصلحة المجتمع بل الوطن باسره متخذين من القاعدة الأنانية “أنا ومن بعدي الطوفان ” ، لذلك نرى الأمور تأخذ منحى غير الذي كان من الواجب أن تكون ، فكم من كلمة قيلت بدون أن يلقي المتكلم لها بالاً فإذا بها تحول المجتمعات إلى فئات متقاتلة متناحرة فيما بينها ، وكم من عبارة دقت بين الناس المتآلفين فيما بينهم أسافين الفرقة والخلاف ِِ..
حقيقة كم حدثتني نفسي باعتزال الكتابة لأنني لم أتعود على المداهنة وإرغام نفسي أن تكتب خلاف ما تعتقد فيكون هناك صراع نفسي محتدم ثم يلهمني الله أن أرجح جانب الصدق والنصحية حتى وإن كان ذلك على حساب نفسي لأن نتيجة هذا الأمر راحة الضمير وسكينته…
لذلك قبل أن أشرع في الكتابة أستحضر عظمة الخالق جل جلاله وأنه مطلع على عباده فأستحي أن يراني وأنا أكتب خلاف ما أعتقد أو أن أطلب بسخطه رضى عباده .
أنا أحب مجتمعي وأمتي ووطني وللحب ضريبته والمحب إن لم يصدق في حبه فقد من يحب ، وما فائدة أن يجني المرء منفعة مادية وقتية مهما بلغت إذا فقد مصداقيته ، فهل يتمتع بما جنى مع وخز الضمير أم علي أن أذبح ضميري وألقيه بعيداً لكي لا يؤرقني وينغص علي ما جنيته بمخالفته … وفي النهاية الصدق سينتصر حتماً والقلم الصادق يقول كلمته الفصل رغم كل شيء والحق باق ولن يتغير بحسب أهواء الناس .
إبراهيم يحيى أبوليلى
مقالات سابقة للكاتب