الكتاب الحزين     

القصة الفائزة بالمركز الخامس في مسابقة المهارات الأدبية – فرع القصة القصيرة – على مستوى تعليم جدة : 

في صباح أحد أيام فصل الربيع ، استيقظت سارة من نومها استعدادا للذهاب إلى المكتبة لشراء بعض المستلزمات، لم تكن تتوقع أنّ كثيراً من المفاجآت بانتظارها ، ففي طريقها كانت تتأمّل السماء ، وتستمتع بالأجواء الجميلة.

دخلت سارة المكتبة ، وسألت البائع عن مكان احتياجاتها التي تريدها ، فأرشدها..

وفي طريقها سمعتْ صوتًا خافتًا: أرجوك ساعديني ، فأنا أكاد أموت من الوحدة..!

تلفتت سارة وهي خائفة ، كان قلبها ينبض بشدة ، قالت : من المتكلم؟

من أين يصدر هذا الصوت؟ لا أحد غيري في هذا الممر الكبير!

كانت تردد بصوتٍ مرتجف: من المتكلم ؟ من يوجد هنا؟!

أجابها أحد الكتب على الرف: أنا من أفتح قلبي لِمن يُقرّبُنِي ، أنا البحر الجليل ، أنا الفضاء باتساعي وضخامتي ، والفلك في نظامه المتقن ، أنا طريق طويل جداً لا يتوقف ولا يُعرف له نهاية ، ورغم ذلك هجرني الناس وأهملوني.

تأكدت سارة أنه الكتاب، فاتجهت نحوه قائلة: ما بك أيها الكتاب؟ ولماذا أنت حزين؟ 

فأجابها وطيات صفحاته تحكي حزنه المأثور قائلا: أنا هنا منذ عِدة أعوام ، وهذا دليل على عدم اهتمام الناس بقراءتي ، وعدم إدراكهم لخطورة هجري ، وخوفي على الناس ؛ لأن في بُعدهم عني سيتيهون ضلالاً، فابتعاد الإنسان عن ثقافته هو بُعده عن نفسه وهويته .

خاطبته سارة بشفقه: ما الذي يُمكِنَنَي فعلهُ لتصبح سعيداً؟

الكتاب: أُريدُ حلا  كي يقرأني الناس ويصبحوا مدركين لأهميتي. 

سارة: ومن أين سنأتي بالحل؟

الكتاب: اقرئيني وستأتين بالحل. 

حملت سارة الكتاب، فبدأت تتجول بين جمال صفحاته حتى أتت بالحل ، وقالت: وجدتها..  وجدتها..!

الكتاب: ألم أقل لكِ؟ هيَّا افصحي لي ما هو الحل؟

سارة: لقد جعلني الكتاب أُخرِجُ العبقري الكامن بداخلي! 

فقد فكرت أن أرسم على كل كتاب رسمةٌ جميلة تعبر عن موضوعه ؛ لأجعله أكثر تشويقاً. 

الكتاب: إنها فكرة في قمة الجمال، من أين سنبدأ؟ 

أجابته سارة: سنأخذ بعض الكتب ونرسم عليها معًا كي نجعلها أكثر بهاءً وجمالَا. 

الكتاب: هيَّا فلنبدأ في جمع الكتب. 

ذهبت سارة لجلب الكتب ؛ لتخرج إبداعاتها في جذب الناس وتحقيق هدفها ، فبدأت تمزج الأفكار مع الألوان ، حتى تشكلت رسومات رائعة ، فاجتمعت لها كوكبةٌ فريدة من الكتب ، التي شكلت نواة صقل الموهبة مع مضامين الكتب الجميلة والهادفة . 

 أرشد الكتاب سارة إلى مكان وضع الكتب، يا لها من لحظة مشرقة ابتسمَ فيها الكتاب بعد مرور سنوات من الحزن نتيجة لتفريط الجميع فيه وإهمالهم له.. 

 وبعد هذا الامتزاج الرائع ودَّعت سارة الكتاب قائلة: غداً سنرى النتيجة. 

في صباح يوم حافل بالنشاط والقراءة ذهبت سارة مسرعةً إلى المكتبة ؛ لترى ماذا حدث للكتاب ، عندما اقتربت من باب المكتبة رأت ازدحامًا غير معتاد ، فأسرعت في خطاها ..

ودخلت لترى ماذا يحدث ، فإذا بها ترى الابتسامات العريضة على وجوه المشترين ، وعلامات الانبهار والإعجاب بادية على ملامحهم ، فنظرت إلى رفوف الكتب ، فوجدتها على وشك الانتهاء ..

فرحت سارة جدًا ؛ فلم تكن تتوقع هذا النجاح الكبير ، وشعرت لأول مرة في حياتها أنها حققت شيئًا عظيمًا وإنجازًا كبيرًا، فهي تدرك الفائدة العظيمة من إقبال الناس على الكتب واهتمامهم بها.

شكرت الله على ذلك ..

وبينما هي عائدة، سمعت صوت صديقها الكتاب ينادي باسمها فرحًا، عندما نظرت إليه وجدته في يد أحد المشترين مبتسمًا وسعيدًا ، شكرها وقال لها:

لولا تعاونك معي يا سارة لما حدث هذا كلّه.

علمت سارة  أن لهذه الكتب روحًا تتنفس من خلالها ، وأن هذه الكتب يجب أن تبقى دومًا حية بين أيدي الناس.

“النهاية”

تعليق واحد على “الكتاب الحزين     

غير معروف

ممكن سؤال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *