غريب تائه الخطى

العمر يمضي رغم عقارب ساعتي التي حطمتها ذات مساء ! غفوت حتى غادرت طيور السنونو مواطنها هذا الشتاء .. وحل موسم الحصاد وأرضي مجدبة قاحلة تحت هذه السماء ..
وعادت عربات الشحن فارغة تتصادم كطبول الغناء .. لم يطلع الرمان ولا الزيتون ولا الليمون ولا البندورة الحمراء ..
تكسرت سنابل القمح وهوت تحملها نسمات الهواء .. أين العشب الأخضر وأين البلبل الحادي وأين نبع الماء !
أين كوخي و سترتي وموقد الشاي ورغيفي ذو الحبة السمراء .. أين عش عصفورتي هل مات صغارها؟ هل بكت عليهم أم رحلت معهم وانتهت أيام العزاء !
حدثتني جدتي قبل عام أن بين السنين سبعٌ عجاف فلا تجزعي ياابنتي فكله قضاء ..
سقطت من عيني دمعة مسحتها سريعاً وانزويت خلف الأمنيات أجش بالبكاء .. هل يغدر بنا الأحباب لأننا عانقنهم رغم كثرة الأخطاء !
بدايات آب هنا ثقيلة لاتكاد تمضي بلغت بي كل عناء ! وجريدتي لم تعد أخبارها تشدني ملأتني داءً لم تجدي معه ملعقة دواء ..
وبين أدراج خزانتي إطار مكسور و زجاجة عطر فارغة وكتابٌ بلا إهداء !
يقولون كثيراً “هم وطن” ولكني بلا هوية غريبٌ هجرته الديار بلا إواء !
تجرعت زمهرير البرد على أرصفة المدينة وتوسدت بخدي منزلاً مهجوراً متصدع البناء .. أواه يالوعتي اواه ياوجدي أواه يانصبي على زمن مضى لم أعرف فيه قطُ معنى للشقاء ..
لمَ لايبعون في المشافي أقراص النسيان وزجاجات الأمل نبتلعها مرتين في الصباح وفي المساء !
ويسألني عن الراحلين شيخٌ قرب قارعة الطريق لايرى سوى السراب وسط العراء .. عيناه تلمح في زواياها دمعٌ خفي فابيضت حزناً وكمداً فماعاد يقوى على البقاء ..
أصمت الهيينة لأتفرس في وجوه الراحلين تجاعيد الزمن ، وخارطة الصحاري ، خُطاهم موهنة .. أقعدها خيباتُ المحبين ! وكفوفهم أوحشتها الوحدة الصماء ..
أنا الذي أضعت عروبتي في الأندلس وهجرت موطني على ضفاف الفرات وتهاوت بجهلي حضارة صنعاء ..
قصائدي محاها الزمان فلم أعد ذا الشاعر الملهم ولا القاريء النهم بل من الغاوين الذين يتبعون الشعراء ..
لملمت ماتبقى من أوراقي المجعدة ونظارتي بإيطارها السميك وولففت وشاحي الرمادي وبيدي حقيبتي السوادء ..
أطأ بقدمي وريقات الخريف المصفرة وخيبات العمر وزيف الأصدقاء .. ألوح بيدي وداعاً أيها الكون السرمدي وداعاً ليس له لقاء ..

تعليق واحد على “غريب تائه الخطى

نويفعة الصحفي

كلمات هي الدرر ، حرف وكلمة وأسلوب ..لا يتقنه إلا الكبار ، المعنى عظيم وتصويره بشكل قصصي جميل ، يتسلل إلى العقول على تؤده ومن يعي المعنى كما وصفته الكاتبة يشد على يدها ويبارك لها هذا الفن والبراعة في التصوير ..بورك فكرك وقلمك حلم رمادي فكم انا فخورة فيك .إستمري رعاك الله ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *